تقاسمت إسبانيا وفرنسا النفوذ في المغرب،
التي كانت تُعاني من ضعف وانقسام وصراع داخلي، واستعانة بالقوى الخارجية،
وترتَّب على هذا التقسيم أن صار القسم الشمالي من مَرَّاكُش خاضعًا للسيطرة
الإسبانية، وهذا الجزء ينقسم بدوره إلى قسم شرقي يُعرف ببلاد الريف، وغربي
يُعرف بالجبالة، وتمتدُّ بلاد الريف بمحاذاة الساحل لمسافة تبلغ 120
ميلًا، وتمتدُّ عرضًا لمسافة 25 ميلًا، وتسكنها قبائل ينتمي معظمها إلى أصل أمازيغي، تأتي في مقدمتها قبيلة بني ورياغل، التي ينتمي إليها الأمير
الخطابي.
كان الأمير الخطابي في التاسعة والثلاثين حين تولَّى مقاليد الأمور في منطقة الريف، وقد حَنَّكَتْهُ التجارِب وأصقلته الأيام، ووَحَّد هدفه، فاستكمل ما كان أبوه قد عزم عليه من مواصلة الجهاد، وإخراج الإسبانيين من البلاد.
وفي تلك الأثناء كان الجنرال سلفستر قائد قطاع مليلة يزحف نحو بلاد الريف؛ لِيُحْكِمَ السيطرة عليها، ونجح في بادئ الأمر في الاستيلاء على بعض المناطق، وحاول الأمير عبد الكريم الخطابي أن يُحَذِّرَ الجنرال سلفستر من مغبَّة الاستمرار في التقدُّم، والدخول في مناطق لا تعترف بالحماية الإسبانية الأجنبية، لكنَّ الجنرال المغرور لم يأبه لكلام الأمير، واستمرَّ في التقدُّم ممنِّيًا نفسه باحتلال بلاد الريف. كانت قوَّات الجنرال الإسباني تتألَّف من أربعة وعشرين ألف جندي؛ مُجَهَّزِين بالأسلحة والمدفعية، ولم تُصادف هذه القوَّات في زحفها في بلاد الريف أيَّ مقاومة، واعتقد الجنرال أن الأمر سهلًا، وأعماه غرورُه عن رجال عبد الكريم الخطابي الذين يعملون على استدراج قوَّاته داخل المناطق الجبلية المرتفعة، واستمرَّت القوات الإسبانية في التقدُّم وتحقيق انتصارات صغيرة؛ حتى احتلت مدينة أنوال في (7 من رمضان 1339هـ= 15 من مايو 1921م).
بعد ذلك بدأ رجال عبد الكريم الخطابي هجومهم على كل المواقع التي احتلَّهَا الإسبانيون، وحاصروا هذه المواقع حصارًا شديدًا، وفشل الجنرال في ردِّ الهجوم، أو مساعدة المواقع المحاصَرَة، وأصبحت قوَّاته الرئيسيَّة -التي جمعها في «أنوال»- مُهَدَّدة، بعد أن حاصرها وطوَّقها رجال الريف، وحين حاول الانسحاب بقوَّاته اصطدم بقوَّات الخطابي في (16 من ذي القعدة 1339هـ= 22 من يوليو 1921م) في معركة حاسمة عُرفت بمعركة أنوال، وكانت الهزيمة الساحقة للقوات الإسبانية؛ حيث أُبيد معظم الجيش المحتلّ، وأقرَّ الإسبان بأنهم خسروا في تلك المعركة 15 ألف قتيل يتقدَّمهم الجنرال سلفستر، ووقع في الأسر 570 أسيرًا، وهذا غير الغنائم من الأسلحة التي وقعت في أيدي المجاهدين.
ما إن انتشر خبر انتصار الخطابي ورجاله في معركة أنوال، حتى هبَّت قبائل الريف تُطارد الإسبان أينما وُجدوا، ولم يمضِ أسبوعٌ إلَّا وقد انتصر الريف عليهم، وأصبح وجود الإسبان مقتصرًا على مدينة تطوان وبعض الحصون في منطقة الجبالة.
بسط الأمير عبد الكريم الخطابي سلطته على بلاد الريف بعد جلاء الإسبان عنها، واتَّجه إلى تأسيس دولة مُنَظَّمة دون أن يتنكَّر لسلطان مَرَّاكُش، أو يتطلَّع إلى عرشه؛ بدليل أنه منع أنصاره من الدعاء له في خطبة الجمعة. وأعلن الخطابي أن أهداف حكومته تتمثَّل في عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، وجلاء الإسبان من المناطق التي احتلُّوها، وإقامة علاقة طَيِّبَة مع جميع الدول، والاستعانة بالخبراء الأوربيين في بناء الدولة، وقام بتحويل رجاله المقاتِلين إلى جيش نظامي على النسق الحديث، وعَمِل على تنظيم الإدارة المدنية، وقام بشقِّ الطرق، ومدِّ سلوك البرق والهاتف، وأرسل وفودًا إلى العواصم العربية للحصول على تأييدها، وطلب من بريطانيا وفرنسا والفاتيكان الاعتراف بدولته. وفوق ذلك كله دعا إلى وضع دستور تلتزم به الحكومة، وتمَّ تشكيل مجلس عامٍّ عُرف باسم الجمعية الوطنية، كان أوَّل قراراته إعلان الاستقلال الوطني، وتأسيس حكومة دستورية لقيادة البلاد.
بيد أن ظروف الحرب ستتغير من سنة 1923م إلى غاية 1927م، إذ ستستعمل القوات الغازية الأسلحة الكيماوية الفتاكة والغازات السامة في مجابهة الريفيين للقضاء على المقاومة الريفية بشكل نهائي وإبادة السكان إبادة جماعية ليسهل على المحتل الاستيلاء على منطقة الريف قصد استغلالها استغلالا شاملا.
واضطر الأمير عبد الكريم الخطابي إلى تسليم نفسه إلى السلطات الفرنسية
باعتباره أسير حرب؛ وذلك بعد أن شعر بعدم جدوى المقاومة، وأن القبائل قد
أُنهكت بفعل الغازات المستعملة في الحرب، ولم تَعُدْ مستعدَّة لمواصلة القتال، وقد قامت فرنسا بنفي الأمير
المجاهد إلى جزيرة نائية في المحيط الهندي.
وفي تلك الجزيرة عاش الأمير المجاهد مع أسرته وبعض أتباعه أكثر من عشرين عامًا، قضاها في الصلاة وقراءة القرآن، وفشلت محاولاته لأن يرحل إلى أية دولة عربية أو إسلامية.
كان الأمير الخطابي في التاسعة والثلاثين حين تولَّى مقاليد الأمور في منطقة الريف، وقد حَنَّكَتْهُ التجارِب وأصقلته الأيام، ووَحَّد هدفه، فاستكمل ما كان أبوه قد عزم عليه من مواصلة الجهاد، وإخراج الإسبانيين من البلاد.
وفي تلك الأثناء كان الجنرال سلفستر قائد قطاع مليلة يزحف نحو بلاد الريف؛ لِيُحْكِمَ السيطرة عليها، ونجح في بادئ الأمر في الاستيلاء على بعض المناطق، وحاول الأمير عبد الكريم الخطابي أن يُحَذِّرَ الجنرال سلفستر من مغبَّة الاستمرار في التقدُّم، والدخول في مناطق لا تعترف بالحماية الإسبانية الأجنبية، لكنَّ الجنرال المغرور لم يأبه لكلام الأمير، واستمرَّ في التقدُّم ممنِّيًا نفسه باحتلال بلاد الريف. كانت قوَّات الجنرال الإسباني تتألَّف من أربعة وعشرين ألف جندي؛ مُجَهَّزِين بالأسلحة والمدفعية، ولم تُصادف هذه القوَّات في زحفها في بلاد الريف أيَّ مقاومة، واعتقد الجنرال أن الأمر سهلًا، وأعماه غرورُه عن رجال عبد الكريم الخطابي الذين يعملون على استدراج قوَّاته داخل المناطق الجبلية المرتفعة، واستمرَّت القوات الإسبانية في التقدُّم وتحقيق انتصارات صغيرة؛ حتى احتلت مدينة أنوال في (7 من رمضان 1339هـ= 15 من مايو 1921م).
بعد ذلك بدأ رجال عبد الكريم الخطابي هجومهم على كل المواقع التي احتلَّهَا الإسبانيون، وحاصروا هذه المواقع حصارًا شديدًا، وفشل الجنرال في ردِّ الهجوم، أو مساعدة المواقع المحاصَرَة، وأصبحت قوَّاته الرئيسيَّة -التي جمعها في «أنوال»- مُهَدَّدة، بعد أن حاصرها وطوَّقها رجال الريف، وحين حاول الانسحاب بقوَّاته اصطدم بقوَّات الخطابي في (16 من ذي القعدة 1339هـ= 22 من يوليو 1921م) في معركة حاسمة عُرفت بمعركة أنوال، وكانت الهزيمة الساحقة للقوات الإسبانية؛ حيث أُبيد معظم الجيش المحتلّ، وأقرَّ الإسبان بأنهم خسروا في تلك المعركة 15 ألف قتيل يتقدَّمهم الجنرال سلفستر، ووقع في الأسر 570 أسيرًا، وهذا غير الغنائم من الأسلحة التي وقعت في أيدي المجاهدين.
ما إن انتشر خبر انتصار الخطابي ورجاله في معركة أنوال، حتى هبَّت قبائل الريف تُطارد الإسبان أينما وُجدوا، ولم يمضِ أسبوعٌ إلَّا وقد انتصر الريف عليهم، وأصبح وجود الإسبان مقتصرًا على مدينة تطوان وبعض الحصون في منطقة الجبالة.
بسط الأمير عبد الكريم الخطابي سلطته على بلاد الريف بعد جلاء الإسبان عنها، واتَّجه إلى تأسيس دولة مُنَظَّمة دون أن يتنكَّر لسلطان مَرَّاكُش، أو يتطلَّع إلى عرشه؛ بدليل أنه منع أنصاره من الدعاء له في خطبة الجمعة. وأعلن الخطابي أن أهداف حكومته تتمثَّل في عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، وجلاء الإسبان من المناطق التي احتلُّوها، وإقامة علاقة طَيِّبَة مع جميع الدول، والاستعانة بالخبراء الأوربيين في بناء الدولة، وقام بتحويل رجاله المقاتِلين إلى جيش نظامي على النسق الحديث، وعَمِل على تنظيم الإدارة المدنية، وقام بشقِّ الطرق، ومدِّ سلوك البرق والهاتف، وأرسل وفودًا إلى العواصم العربية للحصول على تأييدها، وطلب من بريطانيا وفرنسا والفاتيكان الاعتراف بدولته. وفوق ذلك كله دعا إلى وضع دستور تلتزم به الحكومة، وتمَّ تشكيل مجلس عامٍّ عُرف باسم الجمعية الوطنية، كان أوَّل قراراته إعلان الاستقلال الوطني، وتأسيس حكومة دستورية لقيادة البلاد.
صدى الهزيمة في إسبانيا
كان من أثر هذه الهزيمة المدوية للإسبان أن قام انقلاب عسكري في إسبانيا بقيادة بريمودي ريفيرا سنة (1342هـ= 1923م)، لكن هذا لم يُغَيِّر من حقيقة الأوضاع بالنسبة للمغرب، فلم تُعلن الحكومة الجديدة إنهاء احتلالها للمغرب؛ هذا الذي دعا الأمير الخطابي إلى مواصلة الجهاد ضدَّها؛ فقام بهجوم سنة (1342هـ= 1924م) على مدينة تطوان، لكنها لم تسقط في يده على رغم من وصول جنوده إلى ضواحيها، واضطرت القوات الإسبانية إلى الانسحاب من المناطق الداخلية، والتمركز في مواقع حصينة على الساحل، كما أنها أخلت مواقعها في إقليم الجبالة في أواخر سنة (1343هـ= 1924م) بعد أن ثبت لها عجزها عن الاحتفاظ بهذا الإقليم أمام هجمات الأمير الخطابي.المستعمر الفرنسي والمقاوم عبد الكريم الخطابي
فُوجئ
الفرنسيون بانتصار الخطابي على الإسبان، وكانوا يتمنَّوْنَ غير ذلك، كما
فُجعوا بانسحاب القوات الإسبانية من إقليم الجبالة كله؛ لذا قرَّرُوا
التدخُّل في القتال ضدَّ الخطابي ولمصلحة الإسبان، وكانت فرنسا تخشى من أن
يكون نجاح الخطابي في ثورته عاملًا مشجِّعًا للثورات في شمال إفريقيا
ضدَّها، كما أن قيام جمهورية قويَّة في الريف يدفع المغاربة إلى الثورة على
الفرنسيين ورفض الحماية الفرنسية.
واستعدَّت فرنسا لمحاربة الخطابي بزيادة قوَّاتها الموجودة في مراكش،
وبدأت تبحث عن مبرِّر للتدخُّل في منطقة الريف، فحاولوا إثارة الأمير
الخطابي أكثر من مرَّة بالتدخُّل في منطقته، وكان الخطابي يلتزم الصمت أمام
هذه الاستفزازات؛ حتى لا يُحاربَ في جبهتين، ويكتفي باستنكار العدوان على
الأراضي التابعة له، ثم قام الفرنسيون بتشجيع رجال الطرق الصوفية على إثارة
بعض القلاقل والاضطرابات في دولة الريف، فلمَّا تصدَّى لهم الأمير الخطابي
تدخَّلت فرنسا بحجة حماية أنصارها، واندلع القتال بين الخطابي والفرنسيين
في (رمضان 1343هـ= أبريل 1925م)، وفُوجئ الفرنسيون بالتنظيم الجيد الذي
عليه قوَّات الأمير الخطابي، وببسالتهم في القتال، فاضطروا إلى التزام موقف
الدفاع طيلة أربعة أشهر، وأُصيبت بعض مواقعهم العسكرية بخسائر فادحة.نهاية مقاومة الأمير عبد الكريم الخطابي
مرت
حرب الريف بمرحلتين أساسيتين: مرحلة استعمل فيها الأعداء الأسلحة المرخصة
دوليا كاستعمال الدبابات والمدافع والرشاشات والمدرعات والطائرات والسفن
الحربية المدمرة. وقد بدأت هذه الفترة من سنة 1914م إلى سنة 1921م مع
انهزام الإسبان في معركة أنوال المظفرة. كما تلقت إسبانيا في هذه المرحلة
عدة خسائر بشرية ومادية في عدة مواقع حربية كجبل العروي، وكبدانة، وسلوان،
وأظهار ءوبران، والناظور… مما أثر سلبا على معنويات الجيش الإسباني، وكانت
لها أيضا انعكاسات وخيمة على الرأي العام الإسباني وحكوماته المتعاقبة.
ويعني هذا أن المقاومة الريفية في هذه المرحلة حققت انتصارات فائقة على قوات العدو عددا وعدة، وأسرت الكثير من الأسرى بما فيهم الجنرال نيفارو، واستطاعت المقاومة الريفية أن تحصل على غنائم كثيرة على مستوى العدة العسكرية، إذ حصلت على الكثير من الرشاشات والدبابات من مختلف العيارات فضلا عن الأسلحة الحديثة تقنيا بما فيها: البنادق، والطائرات، والسفن، والمدرعات، والمصفحات، والقنابل، ورصاص البنادق، والمتفجرات بمختلف أنواعها…
ويعني هذا أن المقاومة الريفية في هذه المرحلة حققت انتصارات فائقة على قوات العدو عددا وعدة، وأسرت الكثير من الأسرى بما فيهم الجنرال نيفارو، واستطاعت المقاومة الريفية أن تحصل على غنائم كثيرة على مستوى العدة العسكرية، إذ حصلت على الكثير من الرشاشات والدبابات من مختلف العيارات فضلا عن الأسلحة الحديثة تقنيا بما فيها: البنادق، والطائرات، والسفن، والمدرعات، والمصفحات، والقنابل، ورصاص البنادق، والمتفجرات بمختلف أنواعها…
بيد أن ظروف الحرب ستتغير من سنة 1923م إلى غاية 1927م، إذ ستستعمل القوات الغازية الأسلحة الكيماوية الفتاكة والغازات السامة في مجابهة الريفيين للقضاء على المقاومة الريفية بشكل نهائي وإبادة السكان إبادة جماعية ليسهل على المحتل الاستيلاء على منطقة الريف قصد استغلالها استغلالا شاملا.
وفي تلك الجزيرة عاش الأمير المجاهد مع أسرته وبعض أتباعه أكثر من عشرين عامًا، قضاها في الصلاة وقراءة القرآن، وفشلت محاولاته لأن يرحل إلى أية دولة عربية أو إسلامية.
0 التعليقات: